_36acdc47-f725-4fc0-9e14-551d246525de

اعتلال الشبكيَّة السكري: المحطة الأخيرة لأحداث كبيرة

يتقدم الشخص في العُمر ويصل إلى الخمسين والستين. يندمج مع مناحي الحياة المُختلفة ويسير مع آلة الزمن غير مُكترثٍ؛ مواجهًا تحديات صِعاب تُلهيه عن نفسه، فلا يعي كثيرًا لجسده وداخله كما يعي لخارجه، تخيل معي إذا كان ذلك مُمكنًا ماذا كان من الممكن رصده أو ملاحظته مع تقدم العمر، وفي حالتنا كيف تتغيَّر العين بشكل خاص؟

بالتقدم في العمر، تزداد فُرصة ظُهور أمراض كثيرة مثل اعتلال الشبكيَّة السكري والمياه البيضاء والمياه الزرقاء والضُمور البقعي المُرتبط بالعمر (AMD). يُعد الكشف عن هذه الحالات بشكل مُبكِّر ليس بالعملية السهلة، ويتطلب الأمر زيارات مُتعددة على مدار الفترات المُختلفة لتحديد بدايات هذه المشاكل بشكل دقيق، ويكون الأمر ذات أهمية كبيرة بين المرضى المُصابين بالسكري من النوع الأول أو الثاني للوقاية من اعتلال الشبكيَّة السكري.

بالإضافة إلى ذلك يؤدي عدم الكشف المُبكِّر عن اعتلال الشبكيَّة السكَّري إلى زيادة الأعباء الإقتصادية على المُستويين: الفرد والأسرة والدولة من خلال زيادة التكلفة الصحيّة وانخفاض الإنتاجية. ويقلل الاكتشاف والعلاج المبكر من خطر الإصابة بفقدان البصر الناتج عن اعتلال الشبكية السكري بنسبة 95٪. في مراحله المبكرة، بالإضافة إلى خفض التكاليف الصحيّة عندما يُتَّبع العلاج الوقائي الأكثر احتمالية للنجاح في المراحل المبكرة.

ما هو اعتلال الشبكيَّة السُكري؟

هو أحد مشاكل العين الناتجة عن مرض السكري وأكثرها شيوعًا، وأحد الأسباب الرئيسية أيضًا لفقدان البصر لدى البالغين في مصر والوطن العربي وجميع أنحاء العالم. من بين ما يقدر بـ285 مليون شخص مصاب بداء السكري في جميع أنحاء العالم، يعاني ثلث هذه الحالات تقريبًا من علامات اعتلال الشبكية السُكري ومن بين هؤلاء المُصابين بالاعتلال، فإن ثلثهم مُهدَّدون بفقدان الرؤية. 

تبدأ هذه الحالة بالنشوء عندما تتأثر الأوعية الدموية والأنسجة العصبية في الشبكية -وهي الطبقة الحساسة للضوء من الأنسجة الموجودة في الجزء الخلفي من العين الداخلية- بالتغييرات الناتجة عن مرض السكري.  وينقسم المرض لمرحلتين:

اعتلال الشبكية السكري غير التكاثري

هي المرحلة المبكرة من المرض حيث يحدث انتفاخ الأوعية الدموية وتسربها. فيؤدي في بعض الحالات إلى الوذمة البقعية أو المعروفة بتورم الشبكية، وتحدث الوذمة البقعية عندما تنتفخ البقعة -الجزء المركزي من الشبكية- وتؤدي إلى عدم وضوح في الرؤية يُمكن علاجه بسهولة في أغلب الحالات. أمَّا عن الأعصاب فتحدُث تغييرات مبكرة في الخلايا العصبية في شبكية العين قد تؤثِّر على الرؤية أيضًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى فقدان إمدادات الدم الكافية لهذه الأعصاب.

تشمل علامات اعتلال الشبكيَّة السكري غير التكاثري للطبيب:

  • تمدد الأوعية الدموية الدقيقة الشعرية
  • نزيف نقطي في الشبكية
  • الإفرازات الصلبة
  • البقع القطنية
  • الوذمة البقعية
  • التمدد الوريدي

اعتلال الشبكيَّة السكري التكاثري

هي المرحلة المُتقدِّمة من هذه الحالة ،حيث تنمو أوعية دموية جديدة وغير ناضجة بشكل غير طبيعي على سطح الشبكية. ولكون نموها غير ناضج، تنكسر هذه الأوعية على الأغلب وتُسرب الدم في الجسم الزجاجي -وهو المادة الهلامية المائية الصافية التي تملأ العين- وينتج عن هذا النزيف فقدانًا حادًا في الرؤية. دائمًا ما تتطلب هذه المرحلة من اعتلال الشبكية السكري علاجًا عاجلاً وتدخلًا فوريًا لإنقاذ بصر المريض.

يتسبب اعتلال الشبكيَّة السكري التكاثري، على عكس اعتلال الشبكية غير التكاثري، في تكوين الأوعية الدموية الدقيقة قبل الشبكية وتكون مرئية على العصب البصري أو سطح الشبكية. قد تظهر الوذمة البقعية أو نزيف الشبكية عند تنظير قاع العين. وتعد هذه من أهم العلامات المُلاحَظة للطبيب.

ما هي عوامل الخطر المُساهِمة في الإصابة باعتلال الشبكيَّة السكري؟

أي شخصٍ مُصاب بداء السكري مُعرَّض لخطر الإصابة باعتلال الشبكية السكري. وكلما طالت مُدَّة الإصابة بالمرض، زادت احتمالية الإصابة به. تربط بعض الدراسات زيادة خطر الإصابة باعتلال الشبكيَّة السكري إذا كان الشخص مُصابًا بداء السكري ويمارس عادة التدخين، أو يُعاني من ارتفاع ضغط الدم أو الحمل بالنسبة للسيدات.

أعراض اعتلال الشبكية السُكري

في المراحل المبكرة من اعتلال الشبكية السكري قد لا تظهر أي أعراض مُنبِّهة للمريض، ولا يحدث أي تغيُّر في الرؤية. ولكن عند تطوّر المرض، قد يشتكي المريض من هذه الأعراض، وتظهرعادةً في العينين:

  • رؤية ضبابية أو مزدوجة
  • رؤية بقع داكنة أو عائمة
  • ضعف الرؤية الليلية
  • الشعور بألم أو ضغط في إحدى العينين أو كلتيهما
  • رؤية حلقات أو أضواء ساطعة أو نقاط فارغة في المجال البصري
  • عدم وضوح الرؤية الناتِج عن الوذمة البقعية

تشخيص اعتلال الشبكيَّة السُكري

 يقوم طبيب الرمد عادةً  بأخذ التاريخ الصحي الكامل للحالة وتحويل الحالة إلى طبيب الباطنة المُختَّص بأمراض الغُدد والسكري إذا لم تكن الحالة مُكتَشَفة ومُشخَّصة بمرض السُكَّري. أما هو فيقوم بفحص العين لتشخيص اعتلال الشبكية السكري وذلك عن طريق عدة اختبارات مثل:

  • اختبار حدة البصر لقياس قدرة الرؤية المركزية لرؤية المسافات المختلفة.
  • قياس ضغط العين الداخلي (IOP).
  • فحص قاع العين لالتقاط صورة مقربة للشبكية عن طريق وضع قطرات موسِّعة لحدقة العين.

وتُعد من أهم الفحوصات الجازمة بالحالة:

  • تصوير الأوعية بالفلوريسين: ويتم ذلك عن طريق حقن صبغة الفلوريسين العضوية في مجرى الدم عن طريق الوريد في الذراع،  تنتقل الصبغة عبر الأوعية الدموية لإظهار الأوعية الدموية في العين. تلتقط كاميرا خاصة صورًا لشبكية العين أثناء انتقال الصبغة عبر الأوعية الدموي وتوضِّح إذا كان هناك أي انسداد في الأوعية الدموية أو تسرب للسوائل، أو في حالة عدم تزويد مناطق شبكية العين بالدم اللازم. كما يُظهر أيضًا ما إذا كان هناك نمو لأي أوعية دموية غير طبيعية. من الأعراض الجانبية النادرة للغاية هو حدوث حساسية من مادة الفلوريسين. عادةً لا تُجرى اختبارات الحساسية ولكن يُتابَع المريض عن طريق مُلاحظة علاماته الحيوية ويُتعامل معه في حالة حدوث رد الفعل التحسسي النادر.
  • التصوير المقطعي للتماسك البصري (OCT): وهو اختبار يستخدم فيه موجات الضوء لعمل صور مفصلة لشبكية العين. ويساعد الطبيب في اكتشاف وقياس تورُّم البقعة، وتحديد مدى الاستجابة للعلاج. ولا يحتاج إلى صبغة للنظر إلى الأوعية الدموية.

الآثار النفسية

تشير العديد من الدراسات أنَّ اعتلال الشبكية السكري وفقدان البصر المرتبط به لهما العديد من الآثار النفسية المُنهكة مثل زيادة العزلة الاجتماعية وزيادة الاعتمادية، وزيادة الضغوطات المالية، بالإضافة إلى القلق والاكتئاب والشعور المُستمر بالذنب وفقدان الثقة.

تأثير مرض السكري مُتعدي العين

لا يقتصر مرض السكري على العين فقط، وتعتبر تأثيرات مرض السكري على العين متأخرة نسبيًا مُقارنةً بالمشاكل الأُخرى. فلا يترك  مرض السكري مكانًا إلَّا ويُحدِث فيه تأثيرًا. 

مرض السكري يجعل نسبة السكر في الدم أعلى من المعدل الطبيعي. وبعد سنوات عديدة، يسبب الضرر على مُستوى الجلد والكليتين، والأعصاب، والقلب، والأوعية الدموية. تُوجد ثلاث مُضاعفات تحدث على الأغلب للأشخاص المُصابين بداء السكري ولا يحافظون على مستوى سكر مُنضبط في الدم وهي: اعتلال الشبكية السكري والفشل الكلوي وبتر الأطراف مثل في حالة القدم السكرية.

ليس علاجًا صريحًا ولكن حفظًا للبصر

لا يوجد علاجٌ نهائيٌّ لاعتلال الشبكيّة السكري. ترتكز فقط العلاجات الحاليّة على منع فقدان البصر أو تأخيره أو تقليله حسب درجة اعتلال الشبكية السكري وحالة المريض وتوقيت الاكتشاف. فكلما اُكتُشِفَت الحالة مُبكِّرًا، كان علاجها أسهل، وتزداد فُرص حفظ الرؤية.

من المهم دائمًا تحويل المريض إلى طبيب باطني للتحكم في مستويات السكر في الدم وضبطها وهو أهم إجراء للطبيب. فغير منع وتقليل تأثيرات مرض السكري على الأجهزة المُختلفة، يُساعد هذا الإجراء في منع اعتلال الشبكية من التفاقم. يحتاج أغلب الأشخاص المصابين باعتلال الشبكية السكري إلى العلاج أكثر من مرة لمتابعة مدى نجاح العلاج بالإضافة إلى رصد أي مشاكل ناتجة عن مرض السكري نفسه أو عن العلاج المُتَّبَع. تشمل خيارات العلاج ما يلي: 

العلاج بالليزر (التخثير الضوئي)يُجرى عادةً قبل إصابة شبكية العين بأضرار بالغة. قد يساعد أيضًا في علاج الوذمة البقعية، والحد من نمو الأوعية الدموية الجديدة في الجزء الخلفي من شبكية العين. قد لا تعمل العلاجات بالليزر دائمًا في علاج اعتلال الشبكية التكاثري. 
الاستئصال الجراحي للجسم الزجاجيقد تساعد هذه الجراحة في تحسين الرؤية إذا لم تتضرر شبكية العين بشدة في حالات النزيف الزجاجي أو انفصال الشبكية في الحالات المُتأخرة جدًا. ويكون الهدف منع فقدان البصر الكلي والرجوع لأفضل حالة للمريض قبل تدهورها تمامًا وليس إصلاح الحالة بالكلية.
 حقن مضاد لعامل نمو بطانة الأوعية الدموية (anti-VEGF)تعمل هذه الأدوية على إبطاء نمو الأوعية الدموية غير الطبيعية في شبكية العين، ومن أشهرها لوسينتيس (Lucentis) بمادة رانيبيزوماب (ranibizumab).
حقن الستيرويداتويكون ذلك في حالة تعرض البقعة للتلف بسبب الوذمة البقعية.

لأن الاكتشاف المبكر مهم، يجب أن يخضع جميع مرضى السكري لفحص عيون سنوي موسع. ويجب فحص الحوامل المصابات بداء السكري بشكل خاص كل ثلاثة أشهر. في حين أن مشكلتنا غالبًا يصعب الوقاية منها تمامًا، إلَّا أنَّه ليس من الصعب تقليل خطر الإصابة بها أو تقدمها. فالكشف المُبكِّر والتزام وتحكُّم الطبيب في نسبة السكر في الدم عن طريق نمط الحياة المُختلف للمريض واستخدام الأدوية المُناسبة حتمًا يؤدِّي إلى إبطاء حدوث اعتلال الشبكية السُكَّري، ويمنعه من التفاقم. كما أنه يقلل من الحاجة إلى الجراحات أو الإجراءات الأخرى التي تعالج اعتلال الشبكية السكري الحاد.

وعلينا التذكُّر، علاج اعتلال الشبكية السُكري هو لحماية المُتبقِّي من العين والحفاظ على القدرة البصرية ونادرًا الرجوع إلى البصر كاملًا. ولكن على الأغلب بعض الأشياء لا يُمكن استرجاعها. وهذا هو الحال في هذه الحالة.

المصادر: 

[1] AAO

[2] PubMed

[3] IJO

[4] C&E Opthalmology

[5] BMJ

[6] MDPI

Comments are closed.