يُعتبر اعتلال الشبكيَّة السُكَّري من أشهر مضاعفات مرض السكَّري وأخطرها على الإطلاق نتيجة تهديده الدائم للبصر. ولكن في الأصل يُعدُّ مرض السُكَّري نفسه مرضًا جهازيًّا مُتعدِّد الأذرع لا يترك مكانًا إلا ويضع بصمته فيه نتيجة المستويات العالية من السكر في الدم.
فمرض السكري لا ُيقلِّل من جودة الحياة ومتوسط العمر المتوقع وحسب، ولكنَّه أيضًا سببًا رئيسيًّا للعديد من مضاعفات الأوعية الدموية الدقيقة والأوعية الدموية الكبيرة التي تؤدي إلى فقدان البصر والفشل الكلوي واحتشاء عضلة القلب والسكتات الدماغية والوصول إلى ضرورة بتر الأطراف، وضعف المناعة وزيادة نسب العدوى.
لذلك، فإن عبء اكتشاف مرض السكري من بداياته وتجنب المضاعفات المرتبطة به في جميع أنحاء العالم يمثل تحديًا كبيرًا على مُقدمي الرعاية الصحيَّة والمرضى. في السطور التاليَّة سنوضِّح التأثيرات الخاصة بمرض السكري المُتعدية للعين، وسنخوض رحلة قصيرة في أجهزة الجسم المُختلفة. ولكن في البداية ما هي أنواع مرض السكري؟
نبذة عن مرض السكري
في مرض السكري من النوع الأول، يهاجم الجهاز المناعي للجسم خلايا البنكرياس ويمنعها من صنع الأنسولين. عادةً ما يكون النوع الأول وراثيًا والأكثر شيوعًا عند الأطفال والمراهقين، وقد يتطور حُدوثه في أي عمر.
في مرض السكري من النوع الثاني، لا يستطيع الجسم إنتاج الأنسولين أو لا يعمل الأنسولين كما ينبغي على المُستقبلات الهرمونية. يُعتبر النوع الثاني أكثر شيوعًا، ويتطور بمرور الوقت، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بقلة النشاط أو عدم ممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي غير صحي أو السمنة.
في كلا النوعين من مرض السكري، تصبح كمية السكر في الدم أعلى مما ينبغي، وتحدُث مجموعة متنوعة من الأضرار التي تلحق بالجسم إذا لم يُتحكَّم في الحالة.
تأثيرات مرض السكري على القلب والأوعية الدمويَّة
يُوجد ارتباط وثيق بين مرض السكري ومشاكل القلب والأوعية الدموية، حيث يقلل سكر الدم الزائد من مرونة الأوعية الدموية ويؤدي إلى تضييقها، مما يعيق تدفق الدم.
ينتج عن ذلك انخفاض إمدادات الدم والأكسجين، مما يزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتلف الأوعية الدموية الكبيرة والصغيرة. ويُعدُّ ارتفاع ضغط الدم أهم عامل خطر للإصابة بأمراض القلب. تشير الإحصائيات أنَّه ما يقرب من 74٪ من البالغين المصابين بداء السكري يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
تشمل المضاعفات الناتجة عن أمراض الأوعية الدموية الكبيرة ما يلي:
- النوبة القلبية
- السكتة الدماغية
- مرض الشرايين الطرفية
تشمل المضاعفات الناتجة عن أمراض الأوعية الدموية الصغيرة ما يلي:
- اعتلال الشبكيَّة السُكَّري
- الفشل الكلوي
- مشاكل الجهاز العصبي
وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية (CDC)، تُعدُّ أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الرئيسي للموت المُبكِّر بين مرضى السُكَّري. بالإضافة، فالأشخاص المصابين بداء السكري أكثر عرضةً للإصابة بسكتة دماغية أو الوفاة بأحد أشكال أمراض القلب أكثر بمرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بمن لا يعانون من مرض السكري.
يميل الأشخاص المصابون بداء السكري أيضًا إلى الإصابة بمشكلات قلبية أكثر خطورة في سن مبكرة مقارنة بالأشخاص غير المصابين بهذه الحالة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يحدث مرض السكري جنبًا إلى جنب مع حالات أخرى مثل: السمنة وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول في الدم.
ضعف المناعة
يؤثر ضعف الدورة الدموية على قدرة الجسم على الاستشفاء عند وجود جرح أو عدوى، وذلك بسبب قلة إمدادات الدم والأكسجين والمواد المغذية. لذلك من المهم على الشخص المصاب بمرض السكري فحص جلده بانتظام بحثًا عن الجروح ومراجعة الطبيب في حالة وجود أي علامات للعدوى مثل الاحمرار أو التورم أو الحمى.
مشاكل الجهاز العصبي
يعد الاعتلال العصبي أو تلف الأعصاب من المضاعفات الشائعة لمرض السكري. فحوالي 10-20% من الأشخاص أصحاب التشخيص الأوَّلي لمرض السكري يعانون من تلف الأعصاب. بالإضافة، كلما طالت مدة حياة الشخص مع مرض السكري، كلما زادت فرصته في الإصابة باعتلال الأعصاب. فمن المُتوقَّع أن أكثر من نصف الأشخاص المصابين بداء السكري سيصابون بهذه الحالة في النهاية.
يمكن أن يؤثر الاعتلال العصبي على أي جزء من الجهاز العصبي. ومع ذلك، فإن الشكل الأكثر شيوعًا يتمثَّل في الاعتلال العصبي المُحيطي، ويُسبِّب ألمًا وتنميلًا في الأطراف، وتحديداً الساقين والقدمين وأصابع القدمين والذراعين واليدين والأصابع.
القدم
نتيجة ضعف الدورة الدموية وفقدان الإحساس مع الاعتلال العصبي يصعب مُلاحظة الألم الناتج عن الجروح الصغيرة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة بسبب تتطور العدوى وتفاقمها بسرعة، فيحدث تقرح وموت للأنسجة، وأحيانًا قد يكون البتر ضروريًا في للحفاظ على المُتبقي من الطرف.
الكلى والجهاز البولي
يصيب اعتلال الكلية السُكَّري 1 من كل 3 أشخاص مصابين بمرض السكري، ومع مرور الوقت يؤدي ارتفاع مستويات السكر في الدم إلى تلف الأوعية الدموية في الكلى. يُعطِّل هذا الضرر الكلى عن وظيفتها لتصفية الفضلات من الدم. وختامًا يحدُث الفشل الكلوي.
مشاكل أخرى
تحدث بعض المشاكل الأخرى مثل:
- مشاكل الجهاز الهضمي: يؤدي تلف الأعصاب إلى ضعف قدرة الجهاز الهضمي على نقل الطعام من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة.
- ضعف الانتصاب لدى الرجال: يزيد فرص الإصابة به بأكثر من ثلاث مرات، ويمكن أن يظهر قبل 10-15 عامًا من موعده.
- مشاكل جلدية: يساهم في ظهور بعض المشاكل مثل؛ الجلد الجاف، البقع الداكنة من الجلد، الدمامل، والالتهابات الفطرية، واعتلال الجلد السكري.
- الحماض الكيتوني السكري ومتلازمة التمثيل الغذائي.
الكشف عن المرض ومُتابعة مريض السكري
بالتأكيد يساعد التشخيص المُبكِّر لمرض السكري على تجنُّب المضاعفات والمشاكل المذكورة سابقًا، تشمل أولى علامات مرض السكري: كثرة التبول، والعطش أو الجوع الشديد، والتعب، والتنميل في اليدين أو القدمين.
من المهم أيضًا مُتابعة المريض وزيارة الطبيب بشكل دوري وإجراء تحليل السكر التراكمي (HbA1c)؛ يُقاس على الأقل مرتين سنويًا للأشخاص أصحاب النسب المُستقرة للسكر في الدم، ويزيد إلى 4 مرات سنويًا للمرضى غير المُستقرين علاجيًا.
تجرى أيضًا الفُحوصات الآتية:
- تحليل مستوى الدهون والكوليسترول
- قياس ضغط الدم
- اختبار وظائف الكلى
- فحوصات العين
- اختبار البول
- تحليل الغدة الدرقية
في النهاية، من المهم اتباع الخطة العلاجية المُقرَّرة من قبل الطبيب والانتظام على التغييرات في نمط الحياة الجديد والمتابعة مع طبيب العيون في حالة اعتلال الشبكيَّة السُكَّري للحد من آثار المرض.
المصادر
[1] NAJOMS
[2] MSD
[3] APS
[4] Frontiers