لكل هيئة ميزانية، ولكل طبيب خطة علاج، ولكل مريض طموح ورغبة في الشفاء؛ هي حقائق صعبة لا تجتمع كلها إلا بتخطيط استراتيجي وتكامل اقتصادي وطبي. ويكون الهدف في النهاية هو الوصول للصورة المُثلى لخدمة المريض والحفاظ على الموارد البشرية والمالية. فالإجراء الطبي والفحص هما في النهاية خدمة يتحمل تكلفتهاالمريض أو الهيئة الطبيِّة أو غير الطبيِّةما ذا عن تكلفة علاج اعتلال الشبكيَّة السُكَّري؟
في الطب مثل العديد من المجالات الأُخرى، يبرُز الدور المهم للقواعد الاقتصادية والتخطيط المالي الاستراتيجي المُنضبط، ويكون هذا هو الحال في اعتلال الشبكيَّة السُكَّري حامِل التكاليف الباهظة على المريض والهيئات الصحيَّة في حالة تأخُّر الكشف عنه، والذي قد يُسبِّب إعاقة دائمة كفقدان البُصر.
اعتلال الشبكيَّة السُكَّري ليس مُقتصرًا على ذاته
من المشاكل الخاصة باعتلال الشبكيَّة السُكَّري هي ارتباطه بالعديد من التداعيات الأُخرى كونه مندرج تحت مِظلَّة مرض السكري، فالاعتلال الشبكيَّ السكري ما هو إلا مسمارٌ أخيرٌ في قصة طويلة من المشاكل الصحية التي يتعرض لها مريض السكري وتؤثِّر على جودة حياته بشكل كبير وتدفعه إلى رحلة من العلاج والفحوصات المستمرة المُكلِّفة بالإضافة إلى المضاعفات الحادة والمزمنة التي قد تنجم عن طبيعة المرض مثل: الفشل الكلوي، والبتر الناتج عن القدم السُكريَّة ومشاكل القلب والأوعية الدموية.
أمَّا عن مشاكل العين فيُعتبر أسوأ ما في الأمر هو العمى، ناهيك عن مشاكل العين الأُخرى المُرتبطة باعتلال الشبكيَّة السُكَّري كارتباطيته بالمياه الزرقاء وانفصال الشبكية والنزيف الزجاجي، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة للعلاجات الخاصة بالحالة مثل العلاج الضوئي بالليزر والاستئصال الجراحي للجسم الزجاجي وحقن الشبكية الدوائي..إلخ، كل هذه التدخلات تُعتبر باهظة الثمن بالإضافة إلى انخفاض جدوى تكلفتها مُقارنة بالنتيجة المرجوة، فأكثر شيء من الممكن أن يطمح له المريض سيكون الرجوع إلى حالة ما قبل المشكلة العويصة حفظًا لبصره فقط.
بعض الأرقام حول تكلفة علاج اعتلال الشبكيَّة السُكَّري
يُنظَر إلى تكلفة علاج اعتلال الشبكيَّة السُكَّري من خلال نافذتين رئيسيتين؛ عبء الاقتصاد الكُلِّي (Macroeconomic burden)، ويتمثَّل في التكلفة الكُليَّة التي تتحملها الميزانية الصحيّّة للهيئة الطبيِّة وناتج عدم إنتاجية الشخص بسبب عجزه عن العمل في فترة مرضه والخسائر المُتوقَّعة نتيجة ذلك، وعبء الاقتصاد الجُزئي (Microeconomic burden) ويصف المشاكل العائِدة على الفرد والأسرة بسبب اعتلال الشبكيَّة السُكَّري وفقدان البصر الناتج عنه.
في بحثٍ نُشِر في دورية (Value in health) الطبيَّة يهدف إلى دراسة تكلفة مرض السكري المباشرة وغير المباشرة في مصر خلال عام 2016، حُسِبت التكلفة الإجمالية لمرض السكري بما يعادل (3.5 مليار دولار أمريكي)، وسجلت تكلفة مضاعفات مرض السكري -من أبرزها الاعتلال الشبكيَّ السُكَّري- أعلى حصة (65٪) من التكلفة الكُليَّة.
برنامج الفحص الدوري لا غنى عنه
يعد فحص مرضى السكري بشكل مستمر جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الهيئات الصحيّة للسيطرة على تفاقم حالات اعتلال الشبكيَّة السُكَّري، ويتطلب قدرًا كبيرًا من الاهتمام والاستثمار البسيط المُجنِّب لتكاليف كبيرة قد يضطر لها المريض، ويتحملها الاقتصاد في صورة عجز المريض عن عمله.
من المهم خُضوع مرضى السُكَّري لفحوصات شبكيَّة مُنتظمة في عيادات العيون وخارجها، وقبل ذلك من المهم إجراء التحاليل الكاشفة عن مرض السكري نفسه ومعرفته في مراحله المُبكِّرة بالإضافة إلى أهميَّة الكشف المُبكِّر عن المشاكل المُرتبطة بالسكري عن طريق قياس ضغط الدم المُستمِّر، وفحص الهيموجلوبين السكري (HbA1c)، وفحص القدم بالإضافة إلى فحص مشاكل الكِلى.
أين الطريق إلى الحل؟ وما هي تكلفة علاج اعتلال الشبكيَّة السُكَّري؟
اختصارًا لذلك، تمثل تكاليف مرض السكري مشاكل كبيرة للمرضى وأسرهم وللنظم الصحيَّة وشركات التأمين والمجتمع بأسره. لذلك من المهم السيطرة على هذه المشاكل والكشف عن مضاعفات مرض السكري بشكل مُبكِّر خاصة في مرحلة عدم ظهور الأعراض، فالاكتشاف قبل فوات الأوان يُقلِّل من خطر الإصابة بالعمى الناتج عن اعتلال الشبكية السكري بنسبة 95٪ في مراحله المبكرة، وبالتالي فإنَّ فحص العين المنتظم هو عنصر حاسم في أي برنامج رعاية صحية.
قد نتجنب كل تكلفة علاج اعتلال الشبكيَّة السُكَّري وهذه المُضاعفات أيضًا بالمتابعة الدورية عند طبيب أمراض الغدد والباطنة من خلال الوصول إلى مستوى أعلى من التحكم في نسبة السكر في الدم لدى الأشخاص المصابين بداء السكري. من المهم أيضًا الالتزام بجرعات أدوية السكري وبروتوكولات العلاج المُتحكِّمة في نسبة السكر في الدم.
أمَّأ بالنسبة للطبيب، فمن المهم أن يكون استباقيًا وحاسمًا ومُحددًا في خطة علاجه، فإجراء بسيط يُوفِّر عناء كثير.
المراجع:
[1] Value In Health
[2] HHS
[3] NIH