اعتلال الشبكيَّة السُكَّري

تحرير: د.محمد طارق

هل من الممكن التغلُّب نفسيًا ومواجهة طوفان العجز والمرض ومعايشته؟ بعيدًا عن الدخول في مُعضلاتٍ فلسفية كُبرى لسنا بصددها الآن، إلَّا أنَّه من المؤكد أنَّ كل تجربة بدنية تترك ندبةً نفسية بداخل الشخص، فما بالك بإعاقة أو فقدان للبصر كما في حالة اعتلال الشبكيَّة السُكَّري؟ نتحدث اليوم عن الجانب النفسي لمريض اعتلال الشبكيَّة السُكَّري والصحة النفسية ومرض السكري.

في حوارٍ مع أحد مرضى اعتلال الشبكيَّة السُكَّري، يقول المريض: “لا أستطيع تذكُّر متى كانت آخر مرة كنت فيها بأفضل حال. لا أدري حاليًا كيف حدث هذا التغيُّر الكبير في شخصيتي وحياتي لأنقلب بدنيًا ونفسيًا من المرح والبهجة إلى الانعزال والقلق”. يؤكِّد المريض أنَّه ليس استسلامًا بكل تأكيد وأنَّ أمامه تحدٍّ كبير وصعب يلزم التأقلم على أحداثه للخروج بأقل الخسائر النفسية المُمكنة.

من أين تنشأ المشاكل النفسية المُرتبطة باعتلال الشبكيَّة السُكَّري؟

تبدأ قصة مريض السكري بتغييرات كثيرة على مدار السنوات بتداعيات يسببها المرض خاصةً في حالة عدم الالتزام العلاجي أو اكتشاف المرض أو إحدى مُضاعفاته مُتأخرًا. عادةً يتكيَّف معظم المرضى وأسرهم بشكل جيد مع طبيعة المرض، ولكن تكمن المشكلة الكبيرة في المُضاعفات التي تكون قاسيةً بعض الشيء وتُسبب مشاكل عديدة في أجهزة الجسم المُختلفة من أبرزها: الفشل الكلوي ومشاكل الأوعية الدموية وبتر الأطراف مثل في حالة القدم السُكريَّة، وبالتأكيد اعتلال الشبكيَّة السُكَّري المُسبب الرئيسي لفقدان البصر.

نتيجة كل هذه المُتغيِّيرات يصعُّب على مريض السكري واعتلال الشبكيَّة السُكَّري بشكل خاص التعامل مع أمور حياته اليومية التي اعتاد التعامل معها في سهولة وتلقائية ممَّا يُسبِّب العديد من الضغوطات النفسية والتأثيرات السلبية على الجانب النفسي لمريض اعتلال الشبكيَّة السُكَّري. أضف على ذلك العبء النفسي المُتمثِّل في التكلفة العلاجية وطول مدتها.

كيف يُعاني مريض الاعتلال نفسيًا؟ وما هو الجانب النفسي لمريض اعتلال الشبكيَّة السُكَّري السيء؟

إذا وصل المريض إلى مرحلة فقدان البصر بشكل كامل، يُصنَّف هنا تحت وطأة العجز، وبالتالي يتغيَّر نمط حياته بشكل جذري، وعلى الأغلب يفقد وظيفته ويحتاج مساعدة من شخص قريب؛ فتنقلبب حياته وتكون حركته وأنشطته محدودو وبالتالي نفسيته.

أمَّا عن المشاكل والمُضاعفات الأُخرى الناتجة عن الاعتلال الشبكيَّ السُكَّري كنزيف الجسم الزجاجي، وانفصال الشبكيَّة والمياه الزرقاء، لُوحظ وجود صعوبات في نمط الحياة بسبب الأعراض التي تسببها هذه الحالات، فيُعاني المريض من صعوبات في القيادة خاصةً في الليل وصعوبة في القراءة وانخفاض حدة البصر، لذلك يتخلى أغلب المُصابين عن العديد من جوانب الحياة المهمة الأخرى مثل العمل والقراءة والرياضة.

هرم ماسلو والجانب النفسي لمريض اعتلال الشبكيَّة السُكَّري

يُمكن استخدام النظرية التي دشَّنها أبراهام ماسلو في علم النفس في تسلسله الهرمي لفهم احتياجات مرضى اعتلال الشبكي السكري وفُقدان البصر المُصاحب. تقبع احتياجات الإنسان الأساسية والجسدية وحركته وحواسه والتي يقوم عليها باقي العناصر في أسفل هذا الهرم، وتقترح النظرية أنه يجب تلبية المستوى الأساسي من الاحتياجات قبل أن يرغب الفرد في الحصول على احتياجات المستوى الثانوي أو الأعلى. تُمثِّل قدرة الشخص على الرؤية من متطلبات بقاء الإنسان، وإذا لم تُستوفى سيتعرَّض الشخص للعديد من التحديَّات حتى يتمكن جسم الإنسان من الاستمرار في العمل.

الاكتئاب والصحة النفسية ومرض السكري

تؤثِّر مشاكل البصر المُرتبطة باعتلال الشبكيَّة السُكَّري على الحالة النفسيَّة، فماذا عن الصحة النفسية ومرض السكري. شعور الشخص أنَّه كان قادرًا على القيام بأشياء تتطلب رؤية واضحة ويعجزه عن ذلك مرضه يؤثِّر على حالته المزاجية بشكل مُلفتٍ، ويُساهم في حدوث الاكتئاب. في الواقع يشعر الشخص أنه شخصٌ مُختلف ويمر بأزمات نفسية ووجودية ويفقد إحساس الثقة وتقدير الذات. يقدر الباحثون أن ما بين ربع وثلث البالغين الذين يعانون من ضعف البصر يعانون من الاكتئاب.

على الأغلب يكون من الصعب تشخيص الاكتئاب عند مرضى الاعتلال الشبكيَّ السُكَّري طبيًا بشكل مُنفصِّل. فقد تكون الأعراض الجسدية مثل اضطراب النوم وضعف الشهية ونقص الطاقة موجودة بالفعل نتيجة مرض السكري. وعلى الرغم من هذه الصعوبات، يُعدُّ من الضروري تشخيص وعلاج الاكتئاب لدى مرضى اعتلال الشبكيَّة السُكَّري. فوجود المشاكل النفسية قد يقلل من دافع الشخص للوصول إلى الرعاية الطبية والالتزام بخطط العلاج المُختلفة.

اقرأ المزيد عن: علاج اعتلال الشبكية السكري

مشاكل نفسية أخرى

تشير العديد من الدراسات أنَّ اعتلال الشبكية السكري وفقدان البصر المرتبط به لهما العديد من الآثار النفسية المُنهكة مثل زيادة العزلة الاجتماعية وزيادة الاعتمادية، وزيادة الضغوطات المالية نتيجة العجز عن العمل والتكاليف الصحيَّة، بالإضافة إلى القلق والشعور المُستمر بالذنب والعزلة الاجتماعية.

كيف يتعامل المريض؟

لا يُوجد حلٌّ نهائي، وقد تكون الخطوات الأولى للحصول على المساعدة صعبةً للغاية. في البداية يمر الشخص بدائرة الإنكار والرفض التام، وقد يشعر بالعجز كُليًّا، ومع الوقت يبدأ في التأقلم ومواكبة المشكلة. أحيانًا نتوه في خضم هذه البلايا، وقد لا نعرف ما هي المساعدة المتاحة أو كيفية الوصول إليها. ولكن يحتاج الأمر في البداية إلى صراحة وقناعة نفسية، ومن بعدها تواصل مع شخص نثق به، كأحد أفراد العائلة أو صديق أو طبيب.

من المهم أن ترتكز استراتيجيات التعامل على منع وعلاج الاكتئاب والقلق لدى مرضى اعتلال الشبكيَّة السُكَّري في حالة حُدوثهم بالإضافة إلى زيادة الدعم الاجتماعي وتقليل منابع التوتر والقلق من حول المريض ومُحاولة توفير سُبل جديدة تُساعده لمقاومة عجزه.

أيضًا، قد يساعد الاهتمام الروحي والانخراط في مجموعات الدعم الجَمعية لمرضى السكري في التنفيس ومشاركة المعانيات والخبرات المُشتركة، التي تجعل الشخص يحاول أن يُبصِر جانبًا مُختلفًا من حياته.