في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لعب دوندرز وسنيلين وزملاءهم في العمل بمستشفي أوتريخت للعيون أدواراً بارزة في تطوير عملية قياس ضغط العين، إذ قام هؤلاء الباحثون بتصميم وبناء عدة نماذج لأجهزة قياس ضغط العين، والتي يعرض معظمها الآن في معرض دائم بمستشفي هولندا الملكي للعيون بأوتريخت.
مستشفي هولندا الملكي لطب العيون، آوتريخت١، قسم طب العيون جامعة ايراسموس روتردام، هولندا٢
تاريخ قياس ضغط العين
في عام ١٨٥٧ أعلن ألبريشت فون جريف عن نجاح علاج حالة مياه زرقاء حادة بواسطة إجراء فتحة جراحية في قزحية العين، بعدها نشأ احتياج واضح للقياس الدقيق لضغط العين الداخلي.
بعدها وفي عام ١٨٦٢ صمم فون جريف نفسه أول جهاز قياس ضغط العين أوفثالموميتر، لكنه لم يقم بنشره.
ظهرت ورقة بحثية بعد ذلك بعدة سنوات نشرها مونيك وكان أحد المتدربين لدي دوندرز، يصف فيها جهاز فون جريف لكنه لم يقدم رسماً توضيحياً. يبدو أن هناك قطعة واحدة متبقية من هذا الجهاز لدي مستشفي أوتريخت للعيون.
حاول فون جريف قياس عمق الانضغاط في متصلبة العين depth of scleral indentation بعد وضع قوة معينة علي المتصلبة، ولكن لاستخدام هذه الأداه كان يجب فحص المريض تحت تأثير المخدر الكلي (كلوروفورم).
إحدي المشاكل المحورية الأخرى لهذه الأداة كانت النقاط المرجعية التي تتحدد بواسطة العظمة الأمامية frontal bone وعظمة الفك العلوي، إذ كانت مضخة الجهاز تقوم بضغط العين نفسها لأسفل داخل حجاج العين وليس ضغط المتصلبة فحسب، بإختصار لم تكن هذه الأداة مناسبة، يبدو أنها لم تستخدم مطلقاً في العيادة.
في عام ١٩٦١ قام دريجر بإعادة بناء نموذج فون جريف الذي وصفه مونيك ولم يكن علي علم بأن هناك قطعة في الجهاز في مستشفي أوتريخت، ولكنه افترض أن الجهاز يجب وضعه علي جفن العين وهو مغلق، بينما صرح مونيك أن الجهاز تم تصميمه كي يوضع علي متصلبة العين.
صورة ٢: أوفثالموميتر فون جريف
تطور جهاز قياس ضغط العين
في نفس التوقيت الذي عمل فيه فون جريف، كان هامر أحد متدربي دوندرز صمم جهازاً لقياس ضغط العين حفظت منه أجزاءه الداخلية فقط. العصا التي تضغط علي المتصلبة كانت متصلة بمؤشر من خلال لوح مسنن وعجلة. إلا أن هذه الأداة لم تكن ناجحة أيضاً لأنها كانت تواجه الكثير من الحركات الاحتكاكية التي تجعل القياسات غير موثوقة.
في محاولة أخري ، حاول هامر تقليل الإحتكاك من خلال إدخال قطع صغيرة من النحاس يتحرك عليها اللوح المسنن ، ولكن ظهرن مشكلات إحتكاك أخري جعلت الجهاز غير قادر علي اظهار قياسات دقيقة وموثوقة. الأكثر من ذلك ان استخدام الجهاز احتاج تعاوناً كبيرا وثباتً من المرضي وطبيب شديد البراعة. نموذج هامر الثاني لا يزال موجوداً في صورته الأساسية في مجموعة مقتنيات أوتريخت.
لم يفقد دوندرز (معلم هامر) الأمل وطلب بناء نموذج ثالث، وفي هذ النموذج تم استبدال العجلات برافعات صغيرة الحجم ، الا أن هذه الآله ظهرت لها نفس العيوب التقنية للآلات السابقة(مونيك ١٨٦٨).
كان دراجر مقتنعاً بأن هذه الأداة هي الأولي التي يقدمها دوندرز/هامر إلا أن مونيك يوضح باستفاضة أن هذا النموذج كان المنوذج الثالث.
صورة ٣: من اليسار يبدو النموذج الأول الذي حفظت أجزاءه الداخليه فقط ، وفي الوسط سيدو أن النموذج الثاني ، وفي أقصي اليمين يبدو النموذج الثالث الذي استبدلت فيه العجلات بمؤشر، وعلي الرغم أن هذا النموذج يشبه إلي حد كبير جهاز شيوتس الذي قدم في عام ١٩٠٦ الا أن ميكانيزمات العمل مختلفة بصورة جذرية
استمرار تطور جهاز قياس ضغط العين
لم يستسلم داندرز، لكنه توجه إلي دور في بيرن لطلب المساعدة، تلقي دور جزء من تدريبه (كمثل العديد من جراحي العيون البارزين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) في مستشفي أوتريخت للعيون، طلب منه دوندرز البحث عن صانع ساعات ماهر في سويسرا قد يساعد ذلك في صناعة جهاز لقياس ضغط العين يمكن الوثوق في قياساته. رشح دور ليكولتر وهو أحد صانعي الساعات المهرة المعروفين في جينيف كي يقوم بالعمل. وقام دور بعرض الآله التي صنعت نتيجة ذلك التعاون في مؤتمر هايدلبرج عام ١٨٦٥ وهو نفس العام الذي نشر فيه العمل. ولكن كانت النتيجة مخيبة للآمال إذ تكررت فيها نفس المشكلة الناتجة عن الإحتكاك والذي بدوره يجعل قياسات ضغط العين غير موثوقة.
لم ينتظر دوندرز جهاز القياس السويسري حتى يكتمل بناؤه، لكنه كتب إلي ويتستون في لندن، وسأله إن كان بإمكانه أن يرشح أحد الصناع كي يوليه مهمة بناء جهاز لقياس ضغط العين قادر علي تلاشي مشاكل المقاومة الناتجة عن الاحتكاك. رشح ويتستون صانعه الخاص مستر ستروه. نجح ستروه في بناء جهاز لقياس ضغط العين وقد تغلب إلي حد كبير علي مسألة الاحتكاك ، لكن الجهاز كان بالغ الصعوبة لدرجة تجعله غير عملي للاستخدام اليومي(مونيك ١٨٦٨).
صورة ٤: من اليسار تونوميتر دوندزر الذي صممه سترو(لندن)ه، الثاني والثالث هما اصداري تونوميتر مونيك الذي صمم نسخته الأولي في نفس العام الذي نشر فيه دوندرز جهازه.
حيث أنه لم يتم تقديم أي نسخة اعتمادية لجهاز قياس ضغط العين ، كان مونيك – وهو أحد تلامذة دوندرز وسنيلين – لا يزال يحاول تطوير نسخة أفضل لجهاز قياس ضغط العين ، وقدم نسخته الجديدة في عام ١٨٦٨ ( الصوره ٣ ، الجهاز الأوسط). فهم مونيك أن عليه تجنب إحدى أكبر العقبات التي واجهت جميع التصميمات من قبل ، وهي أن الأجهزة التي صممت من قبل كانت تفترض أن عمق الانخفاض في المتصلبة يتم قياسة في اللحظة ان تلمس فيها الأنبوب المتصلبة. وقتها لم يكن تخدير القرنية ممكناً ولذلك يمكن أخذ القياسات من المتصلبة فقط. حاول مونيك حل هذه المعضلة باستخدام دبوسين مدببين كما هو موضح بالصورة أعلاه ، وذلك بدلاً من استخدام أنبوب. كلا الدبوسان واصلان بأحد المؤشرات ، والعصا المتوسطة التي تقوم بالضغط علي المتصلبة موصلة بالمؤشر الآخر ، ويُحسب عمق انخفاض المتصلبة من خلال فرق الموقع بين المؤشرين.
في نموذجه الأول استخدم مونيك قوة معلومة وتعرف علي العمق الناتج من انضغاط المتصلبة. ولكن مؤخراً كان يأمل في الحصول علي نتائج أفضل لو استطاع قياس القوة المطلوبة ليصل إلي عمق إنضغاط معين في المتصلبة. واستطاع إدماج تلك الفكرة في نموذجه الثاني، ولكن حتي هذا الجهاز لم يكن الحل النهائي إذ كان يتطلب استخدامه الكثير من الانتباه والحرفية ، كما يجب مراقبة مواقع المؤشرات ومراقبة وضع الجهاز علي العين في الوقت نفسه. مع ذلك كان الجهاز يعمل بكفاءه في يد دوندرز، ومكنه من اكتشاف حقيقة أن ضغط العين لا يرتفع أثناء التحديقaccomodation.
صورة ٥: في اليسار الموديل الأول من تونوميتر سنيلين١٨٦٨، في الوسط النموذج الثاني من تونوميتر سنيلين الذي تم تطويره عام ١٨٧٢ وفي اليمين تونوميتر دور/سنيلين لعام ١٩٠٠.
في نفس العام ١٨٦٨ قام أحد أقرب معاوني دوندرز بتطوير جهاز لقياس ضغط العين(تونوميتر) كما هو موضح أقصي يسار الصوره أعلاه. وكان سنيلين يري أن عمق إنضغاط المتصلبة depth of scleral indentation لا يمثل مقياساً موثوقاً حينما يكون بمفرده، بل يجب أخذ الشكل في الاعتبار. في نموذجه الأول كان انتاج الضغط علي المتصلبة يتم من خلال ضغط العصا المتوسطه والذي ينتجه زنبرك. بالإضافة إلي ذلك تم إرفاق ثلاثة دبابيس علي كل جانب من جوانب العصا المتوسطة والتي يتحرك كل منها بمعزل عن الآخر. وعلي الرغم من أن هذا الترتيب كل يمّكن من التعرف علي التغيرات في شكل المتصلبة إلا ان الدبابيس كانت سهلة الانزلاق. والأكثر من ذلك أنه حينما كان يتم إزلة الجهاز من علي العين كانت الدبابيس تنزلق منه بالكلية لتظل ملتصقة بالمتصلبة. وتختلف الصوره الموجودة أعلي عن وصف الجهاز الذي نشره سنيلين وقتها إذ يوجد هنا دبوس واحد علي كل جانب من العصا المتوسطة. والنموذج المبدأي الذي وصفه سنيلين ليس متاح الآن ضمن مقتنيات أوتريخت.
في نموذج سنيلين الثاني الذي نشر عام ١٨٧٢ كانت الدبابيس الجانبية مثبته بصورة أكثر إحكاماً. وقد فشل سنيلين في تفسير العلاقة بين التغير في شكل المتصلبة أثناء الإنضغاط وقيمة ضغط العين ، ولذلك توقف عن الإعراب عن هذا أثناء الحديث عن قياس ضغط العين، كان الجس “الملامسة بالأصابع” وقتها هي الطريقة المثلي المتاحة لقياس ضغط العين في الممارسة اليومية لطب وجراحة العين!
العديد من أجهزة قياس ضغط العين تم نشرها في تلك الفترة(بريستلي سميث ١٨٧٩/١٨٨٧ ، ماكلاكوف ١٨٨٥، فيك ١٨٨٨، كوستر ١٨٩٥) ولكن كان نموذج مكلامكوف لقياس ضغط العين هو الأنجح وتم استخدامه في العديد من الدول.
صورة ٦: جهاز سيوفن لقياس ضغط العين ١٩٠١
في ذلك التوقيت لم يتخل سنيلين عن فكرة بناء جهاز قياس ضغط العين/تونوميتر إعتمادي. في عام ١٩٠٠ تم إعادة بناء نموذج دور/ليكوليتر(صوره ٤ علي اليمين). العصا المتوسطة التي تبذل ضغطاً علي متصلبة العين تحث تغييراً في شكل المتصلبة ، ويمكن التعرف علي هذا التغيير من خلال ملاحظة مواقع الدبابيس الجانبية ، كما كان في نموذج سنيلين الأول. لكن هنا يمكن للمرحل الكهربائي أن يثبت الدبابيس في أمكانها. لكن وكما كان الحال في النماذج السابقة لم تستوف هذه الآلة المتطلبات الأساسية لقياس دقيق لضغط العين(سيوفن ١٩٠١).
صورة جهاز قياس ضغط العين النهائية
وفي نهاية القرن التاسع عشر، ومن جديد متدرب في مستشفي أوتريخت يدعي سيوفن، صمم تونوميتر مبني علي مبدأ قياس التوتر applanation principal ( الصورة٥). يتم تعليق الآلة فوق العين ، وعلي الرغم من أن تصور سيوفن كان منطقياً، كانت الآلة بالغة الصعوبة في الاستخدام ولذلك لم تجد طريقها إلي الانتشار للاستخدام اليومي.
من بين جميع أجهزة قياس الضغط التي تم ابتكارها في القرن التاسع عشر ، أثبتت أجهزة القياس التي تعتمد مبدأ قياس التوتر applanation أنها الأكثر نجاحاً واعتمادية.
ولكن في الواقع العملي استطاع تونوميتر ماكلاكوف الصمود كأداة تستخدم يومياً في العيادات والمستشفيات حتي وقت قريب. لم ينجح أي تونوميتر قائم علي مبدأ الإنطباع impression tonometers من بين جمع الأجهزة التي تم تطويرها بين أعوام ١٨٥٩ و ١٩٠٠. كان علي الجميع انتظار العام ١٩٠٥ حينما أعلن شيوتس عن تصميمه المشهور الذي لم يزل يستخدم حتي اليوم. لعقود متتالية كان جهاز شيوتس هو الأداة المثالية حتي صمم جولدمان جهازه الذي اكتسح العالم عام ١٩٥٤.
لعبت مدرسة أوتريخت دوراً رائداً في محاولة تصميم جهاز لقياس ضغط العين علي الرغم من أن جميع محاولاتها لم يكتب لها التوفيق. جميع أجهزة القياس بمبدأ الإنطباع تم تصميمها وبناءها بواسطة دوندرز وسنيلين ومعاونيهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وعلي الرغم من كونهم غير ناجحين في الممارسة الإكلينيكية ، كان لهم دوراً رائعاً في توجيه وإظهار الطريق بالمحاولة والخطأ تحققت النتيجة المرجوة. أظهرت هذه المحاولات كم كانت الحاجة ملحة لمثل هذا الجهاز ، وكم كان الباحثون مصرون وصامدون حتي النهاية وكم كانت احترافية الصناع في ذلك التوقيت.
اقرأ المزيد عن: